لا أعرف لماذا خطر لي التحدث عن الكيمياء في موضوع أردت التحدث فيه بالسياسة رغم أني عشت طويلا قبل معرفتي ماذا تعني وما مهمتها أو دورها إلى أن جاء احدهم وسألني : هل تعرف لماذا يكون لون العدس مائل للسواد أو البني المحروق وبعد جرشه يصبح زهريا وحين يُطبخ يصبح لونه أصفر ؟!
احترت ، تغير لوني وتبدل كما ألوان العدس في مراحله المختلفة ، فأحسسته وقد اسود لأني لم أتوقع أن أسمع سؤالا كمثل هذا، وقد بيّنني أني " ابن ذوات " وأنا في حقيقة الأمر حرّيف عدس .. ! ثم أحمر لون وجهي خجلا لأني تأتأت حين ظننت أن باستطاعتي تمويه السؤال بسؤال تافه لا يمت حتى إلى حاضر ذلك الزمن لا من قريب ولا من بعيد ! .. ثم اصفر وجهي حين بلغت من الغضب ما لا استطيع كتمانه حين بدأ صاحبنا يعدد لي أنواعها فقال : الكيمياء الخضراء الكيمياء التحليلية الكيمياء العضوية الكيمياء الحيوية ال...ال .. فصرخت وقلت أرجوك توقف ! ماذا يعني لي كل هذا الشرح ؟ عشت طويلا لم أفكر يوما في مثل هذا : فأنا كنت وما زلت أحترم العدس وأحبه ويذكرني بالمرحومة والدتي كانت تُطعمنا ستة أو سبعة وجبات منه في كل أسبوع، وكنت مع أخوتي واخواتي ال 14 لا نعرف معنى الجوع رغم الفقر ورغم القِلّة وكنا معه سعداء، بنيتنا الفوقية والتحتية قوية ونُحسد عليها، لم نفكر يوما بألوان العدس الداكن أو الفاتح وعلاقة ذلك بالكيمياء بأنواعها وكنا نحمد الله على نعمته ولم نكن نتذمر عليه تعالى كما تذمّر بني إسرائيل حين حقق لهم الله النعمة فاستبدلوها عن علم بالنقمة ! ومن فضل الله تعالى عليّ أني رغم جهلي لكني – احتياطا – قرأت قليلا عن سحر الكيمياء وفنونها وروعة العقل العامل فيها وبعد زمن عرفت أن صاحبنا حين سألني كان عليّ " يتفشخر" وقد تبين انه لا يعرف شيئا عنها غير سطر سؤاله المُحرج لي عن قصد !
والأهم فإن صاحبنا " المِسهل " فلسفةً لا يأكل عدسا بالمرّة حين صادفته في هذا النهار كان شاحب الوجه فبادرني قائلا : انتخابات الجزائر مزورة! سكت قليلا واجبت على سؤاله هذه المرة أيضا بسؤال : كيف تحلل ذلك كيميائيا ؟ !