في أول اتصال كريم من د.علي العزي مايسترو ديوان الأدب، كان وقع المفاجئة مربكا لي .
شكرته وكدت اعتذر لكنه سبقني وقال " حضورك كضيف مراقب وليس مشارك لأنك لم تقرأ الرواية المزمع مناقشتها "
بعد أن شرح لي باختصار ما يتعلق بديوان الأدب مهمة وغاية . وافقت على الفور وعدت إلى نفسي أسألها بعد إنتهاء المكالمة :
ماذا تريد من مشاركتك وحضورك مع جمع اساتذة مثقفين وأكاديميين لا تعرفهم ؟! *
لم يخطر ببالي مطلقا موضوع غربتي عن مجتمع الجنوب، بل إن علاقتي بالجنوب وأهله هو الذي دفعني لقبول الدعوة مباشرة، وهذا أول جزء من الجواب عن سؤالي إياه * إن لي مع الجنوب وأهله قصة عمر بحاله بدأت منذ العام 1948 وكان لي من العمر سنوات أربع ؛ لا يتسع المجال هنا لروايها ، ولكنني أعد بأن أروي مقتطفات منها والقلب ربما لا يحتمل قول كل الرواية .
وأما الجزء الآخر من سؤالي لنفسي " إياه "* كان صعبا علي قولبته ! هل لتستفيد من مخالطتك رَّهْط من المثقفين مثلا ، وهل من سوف أعرفهم يتفوقون معرفة وثقافة عمن عرفتهم طوال عمري ومعظمهم جنوبيين كرمش عيني أعرفهم. أجبت مباشرة بلا . لأن الذين عرفتهم كانوا أيضا مثقفين أساتذة أطباء وأصحاب شهادات عليا وفوق ذلك كانوا حزبيين ومعظمهم قادة في أحزابهم ، بعضهم كان له نفوذ وأصبحوا نوابا ، ووزراء اساتذة ومعلمين ومنهم الكادحين امثالي !
وإذاً، ما الذي سوف تجده مع هؤلاء الكرام الذين لا يعرفونك غير شهادة كريمة من رجل كريم قال إن لي هواية القراءة وأجزل في كرمه وقال أشياء جميلة في حقي قد لا أستحقها، وقال أيضا إننا نرتبط بجذور عائلية تمتد لنسب عظيم ؟!
الثقافة و المعرفة . هدفين رائعين إن عمّا ارجاء الوطن يصبح المجتمع على طريق سليم . والوسيلة ، الحث على القراءة ؛ ونشر عدواها هي غاية إذاً ، وأنا أحب ذلك ومقتنع تماما به !
في الخمسينات من القرن الماضي كانت المكتبات تعج بالقراء .. في الثاني عشر من عمري كنت قد قرأت روايتين " زينب " وفي بيتنا رجل " وقرأت معظم قصص الإلياذة والأوديسا ..والقراءة في ذلك الزمن انتج مفكرين ، علماء شعراء وأدباء وأحزاب كان شرط الانتساب اليها القراءة .
عندما لم نعد نقرأ تحولت الاحزاب إلى عصابات والتنظيمات المسلحة إلى قطّاع طرق و مافيات تهريب وسرقات . عندما جهّلوا المجتمع بيعت القضايا الكبرى ، ولأن المجتمعات أصبحت جاهلة لا تقرأ حلّ الزعيم في العقل بدل الكتاب . والمجتمعات أصلا مهيأة ويسكن في عقلها الجمعي كل ما هو خوارقي .
إن باع الزعيم سرق الزعيم مارس كل الموبقات لا يُرى ، فالشعب بمعظمه يعيش في زوبعة غبار اطلقها هذا الزعيم و : بالروح بالدم نفديك يا زعيم !!
هي مهمة شاقّة أن تعيد برمجة ذاتك ، فكيف بالمجتمع ؟!
ذلك ليس بمستحيل إذ لا بد من وجود مؤمنين بالكتاب وسيلة للمعرفة فهي خطوة .. والخطوة كما أراها سائرة ، وتنتشر في كل الاتجاهات .. ولكن .. لا بد من تغيير المناخ وتحديد الاتجاه الصحيح .
كان الجواب عن سؤالي إياه
" ما الذي أريده " هو أنني سأساهم بقدر طاقتي ومعرفتي ولو بسطر واحد ، من أجل المستقبل الذي يسكن فيه اولادي احفادي وأبنائهم.
أطلت ربما ولكن عذري اني سررت كثيرا بوجودي معكم .
الرئيسية 